منتديات شعر العامية المصرى
منتديات شعر العامية المصرى
منتديات شعر العامية المصرى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات شعر العامية المصرى

100 شاعر عامية مصرى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بيرم التونسى . فؤاد حداد . صلاح جاهين .
أحمد فؤاد نجم . عبدالرحمن الأبنودى . سيد حجاب .
طاهر البرنبالى . بهاء جاهين . ماجد يوسف .
أمين حداد . مسعود شومان . مجدى نجيب .
إيمان بكرى . جمال بخيت . عبدالرحيم منصور
محمد حسنى إبراهيم . محمد عبد المعطى . حاتم مرعى .
عبداللطيف مبارك . أمين الديب . سمير عبدالباقى .
سعيد عبدالمقصود . جمال حراجى . عبدالناصر علام .
يسرى حسان . مراد ناجح عزيز . محمد عبدالقادر .
زينات القليوبى . هشام الجخ. محمد أسامة البهائي .
متولى عبداللطيف . محمد التمساح . د/شريف مليكه .
صالح الغازى . وحيد وصفى . سعيد حامد شحاته .
كامل عيد رمضان . وليد طلعت . أبو العرب أبو اليزيد
. طارق فراج . إكرامي قورة . عبدالستار سليم .
مرسي جميل عزيز . مأمون الشناوي . مجدى عطيه .
.مدحت منير . سيده فاروق . سمير محجوب
. سميح عزت . محمد حمزة . مجدى الجابرى
ميسره صلاح الدين . رجب الصاوى . زينب أبو الفتوح .
أمل عامر . مصطفى مقلد . إبراهيم ابو زيد .
محمد كشيك . إبراهيم خطاب . كابتن غزالى .
جمال عدوى . ايمن عمارة . أشرف الشافعى .
صابر فرج . كوثر مصطفى . خالد حريب .
محمد محمدين . حسام حسين عبد العزيز . على سلامة .
تميم البرغوثى . د/ يسرى العزب . وفاء أمين .
عبد الناصر حجازى . محمد رمضان هداية . أحمد أبوحج
. د/جمال مرسى . أشرف عزمى . سمير الفيل .
سمير الأمير . أشرف فايز . أبو زيد بيومى .
أحمد أبو سمره . عبود حداد . محمد جودة .
أحمد سلامة . عبدالرحيم يوسف. عمر طاهر .
سهير متولى . شوقى حجاب . عمر نجم .
عزت إبراهيم . فؤاد قاعود .وليد رأفت محمد.
محمد المخزنجى . نشأت عمر . محمد سعيد .
وفاء بغدادى . محمد عبدالقوى حسن .
* منتديات شعر العامية المصرى
* 100 شاعر عامية مصرى
الموقع طور الإعداد
للإتصال والمشاركة معنا على إيميل amiamasria@gmail.com

 

 صورة الوطن وتجلياتها كتبها: سيد الوكيل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
منتديات شعر العامية المصر
Admin
منتديات شعر العامية المصر


عدد المساهمات : 1110
تاريخ التسجيل : 27/06/2009

صورة الوطن وتجلياتها   كتبها: سيد الوكيل Empty
مُساهمةموضوع: صورة الوطن وتجلياتها كتبها: سيد الوكيل   صورة الوطن وتجلياتها   كتبها: سيد الوكيل Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 05, 2009 2:54 pm

صورة الوطن وتجلياتها

فى نماذج من شعر العامية






حملت البذورالأولى لشعر العامية فى مصر ملامح هويته ، وحددت توجهاته بوصفه صوت العامة المجسد لمعاناتهم وأحلامهم وطموحاتهم الصغرى ، ومن ثم نجده معبراً عن أحوال الناس وواقع حياتهم اليومية وكاشفاً لأساليب الظلم والاستبداد التى تحيق بهم من قبل الحكام والسلاطين وتابعيهم من عسس ومماليك وجباة وغيرهم .

وهذا النزوع لتصوير ملابسات الحياة اليومية هو ماوسمه بطابع الحيوية والقبول بين الناس ، وعلى نحو فنى ، خلصه من أساليب الزخرفة والتوشية وحيل البلاغة اللغوية القديمة ، إلا ما كان للضرورة بغرض التورية على بعض المعانى الظاهرة التى تضعهم تحت المساءلة القانونية أو الدينية أو الأخلاقية ، كما استفادوا من قدرة التعبير الكنائى الذى تلمح ولا تصرح ،أو التورية على نحو ما نجد فى قول النصير الحمامى فى هجاء أحد القضاه الظالمين المسمى محمد بن جماعة والمتوفى 330 هـ :

قاضى القضاة المقدسى صحب الأمور المطاعة (1)

سألته عن أبيه فقال لى ابن جماعة

فيمكننا ملاحظة التعريض بنسب القاضى إلى أبيه عبر استخدام الشاعر للتورية فى قوله ( ابن جماعة ) ، وهو قول يصل إلى السب والقذف الذى تقام له الحدود الشرعية لو صرح به .

ومع ذلك ، فقد ظل المعنى مغلباً على أساليب القول الشعرى وفنونه فى الشعر المرتبط بالحياة اليومية والمعبر عن هموم الناس وشكاواهم ، بما يعنى أن شعر العامية فى مصر ، كان واعياً بدوره ورسالته النقدية والإصلاحية ، سواء توجه هذا النقد إلى الحكام والمسؤلين أو توجه إلى المجتمع مباشرة على نحوما نجد فى القصيدة المشهورة بقصيدة أبى شادوف ، التى اتخذت من صورة الفلاح المصرى مناسبة لنقد مظاهر التخلف الحضارى وانحطاط أساليب العيش التى تشيع فى الريف المصرى ، وما يصاحبها من سلوكيات وجلافة الأخلاق ورثاثة المظهر وغير ذلك . ولا شك أن هذا النقد الموجه للفلاح فيه تعريض يمكن ملاحظته إلى الحكام والمماليك والإقطاعين ملاك الأراضى والجباة الذين استعبدوا الفلاح وأرهقوه فانتهى إلى ماهو عليه .

ويضع الشيخ الشربينى صاحب ( هز القحوف ) ، صورة واضحة لهذه المفارقة اللاهبة ، التى تعكس لنا حالة فقدان الوعى بالحقوق لدى الفلاحين نتيجة لتفشى الجهل والخوف ، كما تعكس مكانة الفلاح المصرى زارع الأرض وراعيها الحقيقى ، وقد توارت وراء أنظمة القهر فيقول :

أبو شادوف من يومه مجعمص شبيه الجرو يتنطط بقوة (2)

أبوه اليوم شيخ الكفر قاعد حدا الصراف وراسه جنب حدوة .

ولا يمكننا ـ فى الصورة السابقة ـ غض الطرف عن المفارقة المضمرة بين حال القرية وأهلها ، وحال أهل البندر الذين يمثلون مركزاً وقوة ، إلى درجة أن شيخ الكفر / القرية ، الذى يتمتع بمكانة يفخر بها ابنه بين أهل الكفر ويتيه بها ، يجلس فى مذلة وانكسار بجوار حدوة فرس أحد العسس أو الجباة ( الصرافين ) .

ويبدو أن هذان الرافدان ، نقد المجتمع ( الذات ) ، ونقد السلطة ( الآخر ) ، سارا جنباً إلى جنب طوال الوقت فى شعر العامية ، ويبدو هذا التلازم أكثر وضوحاً فى القالب الزجلى الذى اختص ـ تقريباً ـ بموضوعى النقد والسخرية ، وهى سخرية قد تصل إلى درجة كبيرة من الحدة كما رأينا فى وصف الحمامى للقاضى ابن جماعة ، وقد تمتد هذه السخرية لتشمل بعض المفاهيم والقيم الاجتماعية العليا التى تمثل القانون أو الأخلاق أو الشرع على نحو ما نجد عند شرف الدين الأسدى ( ت 738 هـ ) ، يعرض لحال الناس من عسر ساد فى عهده ، ويسخر من معنى تطبيق الشرائع والحدود الدينية فى حال كهذه ، حتى أنه يتهكم من أمكانية صوم رمضان فيقول :

رمضــان كلك فتــوة وصـح دينـك عليـه (3)

وأنا ذا الوقت معسر واشتهى الإرفاق بيه

حتى تروى الأرض بالنيل ويباع القرط بدرى

واعطيك الدرهم ثلاثة واصوم شهرين وما ادرى

وان طلبتنـى ذا الوقـت فأنـا أثبـت عســـرى

فامتهل واربح ثوانى لاتربحنى خطيه

وتخلينى أسقف طول نهارى للعشية

ويمكن ملاحظة أن هذا اللون من النقد الذى حملته قصيدة العامية المصرية ، كان يتناول صوراً ومواقف وحوادث وشخصيات وسلوكيات بعينها ، بما يعنى أن القصيدة كانت رهناً بالمناسبات العارضة ، وذلك باعتبار قصيدة العامية سريعة الاستجابة لعوارض الحياة اليومية على نحو مانجد من أبيات للسراج الوراق ، وكان أحد الحكام قد ضيق على الناس حتى أنه منع بيع اللحوم فى عيد الأضحى ، فقال السراج الوراق ملمحا إلى حاله مستفيدا من اسمه( للتورية ) ومشيراً إلى ضياع بهجة العيد :

أجبت بعيد النحر من كان سائلى عن الحال فى عيد وقد مر ذكره (4)

إذا بطل الجزار والعيد عيده فلا تسأل الوراق فالعذر عذره .

كما تناول شعر العامية إلى جانب ذلك بعض الظواهر الاجتماعية التى تشيع أو تختفى مقترنة بظروف معينة كانتشار تناول المخدرات والخمور بين الناس ، أو تفشى الرذيلة والفحش . ولعل ارتباط شعر العامية بالمناسبات فى تناولاته لنقد المجتمع والسلطة الحاكمة ، كان نتيجة لغياب المعنى الكلى لفكرة الدولة بوصفها نظاماً ينهض على مجموعة من المقومات الجغرافية والقانونية والسياسية ، فمعانى مثل الدولة أو الوطن هى معان جديدة لم تعرفها المجتمعات العربية ولم يشعر بها العامة إلا مع نهاية حكم المماليك لمصر ومجيء الحملة الفرنسية ، وما واكبها من نمو للوعى الوطنى .

وقبل ذلك كان المعنى الكلى للدولة يختزل فى شخص الحاكم أو السلطان ، لكن هذا الاختزال لايخفى تراتبية هيراركية قد تبدأ من السلطان وتنتهى إلى شيخ البلد أوالكفر ، وما بينهما من وسطاء يلعبون إدواراً متفاوتة فى سلم القهر الواقع على العامة من فلاحين وأجراء وحرفيين بسطاء .

إن هذا الركام السلطوى وغياب شفافية الأنظمة الحاكمة عملا على تغييب الوعى الكلى وجعل الناس تنسحق تحت مقدرات حياتهم ومتطلباتهم اليومية ، ومن ثم أصبحت رؤاهم للمظالم والمفاسد تمضى إلى حالات فردية غير مرتبطة بنسق الحكم ، بقدر ماتشير إلى مرتكبيها ، ومن ثم فمعان مثل الدولة أو الوطن غابت تماماً فى القصائد التى حملت طابع الاحتجاج على المفاسد والنقد لها ، حتى أن كثيراً من الإشارات التى تشير صراحة إلى اسم الدولة ( مصر ) ، كانت فى كثير من الأحيان لاتعود على العموم لحدود مصر الكبرى ، بقدر ماتعنى القاهرة أو مصر المحروسة ، ومع ذلك لانعدم إشارات حملتها قصيدة العامية توحى بعموم الخراب والفساد ببر مصر.

ولننظر إلى هذه الأبيات التى تصور مصر متاهة وغابة يضيع فيه أهلها فيما خلت من الأسود الذى تزود عنها ، ويمكن ملاحظة التطور الجمالى وأبعاد الصورة الكلية للقصيدة والإشارات الدالة والموحية التى تقترب بهذه القصيدة إلى معانى حديثة يمكن لشعر العامية أن يتناولها الآن :

مصر وادى تيه وصارت غاب وسكنوا برج حوت رفعه (5)

وأماراتها الذين كانوا فى هنا من قبل ذى الوقعة

للملك خلان وهم غزلان وأسود وأقمار طالعة

خفيت الاقمار من الابراج وخلا المسكن من الخلان

وعن الغاب غابت الآساد واقفر الوادى من الغزلان



والحقيقة أن هذا المعنى الذى يشير إلى حال مصر يعكس موقفاً سياسياً ناضجاً من الشاعر بعدما أحل بها من خراب إثر الصراعات والحروب التى قامت بين اللماليك فى ربوع مصر ، ومن ثم تظهر مصر بوصفها كيانا يعبر عن عموم الدولة وليس عن حادثة أو واقعة عابرة ، غير أن هذا المعنى الكلى لصورة مصر لم يغب تماماً عن الشعراء ، فقد أصبح واقعاً ملموساً عندما ارتبط بمعانى الوطنية والوطن التى حفزتها الحملات الاستعمارية الأوربية ولا سيما الحملة الفرنسية ثم الاحتلال الإنجليزى بحيث نجده واضحاً وناضجاً ومرادفاً لمفهوم الهوية المصرية عند عبد الله النديم الذى ارتبط شعره بمقاومة الاحتلال البريطانى . ويمكن ملاحظة أن هذا البعد الوطنى الذى حمله اسم مصر لايعنى توارى أو اختفاء هذا الاسم وراء مفردة أخرى ( الوطن) إلا فى وقت متأخر بعد انتشار معنى الوطن الكبير الذى يدل على عموم الوطن العربى أحيانا ، لكنه فى أكثر الأحيان يصبح مرادفاً لاسم مصر ، مثله مثل مرادفة أخرى ( البلد ) التى ترد أحيانا فى هذا السياق.

لكن تطور التجربة االفنية لشعر العامية ، ودرجات النضوج الجمالى والتقنى والأسلوبى لها ، وظهور مدخلات جمالية جديدة فى التعبير الشعرى مثل المعادل الموضوعى أو الرمز أو التصوير الفنى ، فضلاً عن تنوع الأداءات الإيقاعية والتعبيرية ،التى احتفت بها قصيدة العامية لمناسبة الغناء، كما نجد عند بيرم التونسى وبديع خيرى وغيرهما وصولاً إلى جاهين والأبنودى وسيد حجاب وما بعدهم .

كل هذا أسهم بشكل كبير فى تطور صورة الوطن التى استفادت من طابع التشكيل والتنوع الدلالى والجمالى ، فلم يعد من الضرورى أن يشير الشاعر إلى اسم مصر أومفردة الوطن صراحة ، بل يمكن استنتاج أن حضور هذا المعنى ضالع فى كثير من قصائد العامية الجديدة ، مختبئاً وراء المجاز أو الرمز أو الكناية وغيرها من الأساليب الفنية . كما نجد حضوراً خاصاً للوطن الأنثى ( أماً ومحبوبة ) وقد يشار إليها بلفظة ( البنت ) ، كما يحضر المواطن بوصفه ( الولد أو الفارس ) وهى مفردات شائعة الاستخدام فى قصيدة العامية الحديثة .

وسنسعى ـ هنا ـ إلى تناول صورة الوطن وتجلياتها المختلفة ، عند مجموعة من الشعراء ، المتقاربين فى خبراتهم الجمالية والفنية ، ودرجات وعيهم بالدور المؤثر لقصيدة العامية فى تنمية الوعى الجماهيرى ، وإحساسهم العميق بطابع الرسالة المنوط بهم حملها ، بوصفهم شعراء يحملون على كاهلهم هموم وأحلام هذا الوطن .

صحيح أن مثل هذه المعانى لاقت خفوتاً واضحاً فى قصيدة نثر العامية ، وكأنها انجرفت مع موجة الاستنكار للقضايا الكبرى والأحلام القومية والمعانى المؤدلجة ، التى تعتبر فى سياق آخر موقفاً سياسياً لدى فصيل من الشعراء ، كرد فعل للخيبات الكبرى التى منى بها الوطن فى فتراته الأخيرة .

ولعل هذا التوافق والتقارب بين مجموعة الشعراء الذين نتناولهم هنا ، والذين ينتمون ـ جميعاً ـ إلى بيئات ثقافية واجتماعية متقاربة تعانى انزياحات كبيرة من التهميش الاجتماعى ، وانتمائهم إلى فضاء إقليمى واحد ، يؤكد بروز التأثيرات المتبادلة بينهم ، وهى تأثيرات قد تكون موضوعية أو شكلانية ، غير أن هذا التوافق لايغمط حق كل منهم فى التمايز والاختلاف بدرجة ما عن غيره ، وهو ما تكشف عنه الدراسة التطبيقة ، ويمكن إجمال التأسيسات المركزية لصورة الوطن على النحو التالى :

1ـ التعبير الصريح : وحيث تكون الإشارة صريحة إلى مفردات مثل : " البلد ـ مصر ـ الوطن " ، فضلا عن أسماء لمدن وقرى بعينها ، تسقط من الخاص إلى العام عبر المجاز المرسل .

2ـ المعنى الاستعارى : حيث يمكن للشاعر أن يستخدم بعض الأساليب الفنية والبلاغية التى تضمر معنى الوطن أو تدل عليه عبر :

· التشخيص

· التصوير الفنى

· الكناية

· الرمز

وسوف نعرض لقراءة ستة دواوين لشعراء من إقليم وسط وجنوب الصعيد ، كتبوا شعر العامية على اختلاف مستوياتهم وطرائق تعبيرهم ، وتباين درجات النضج الفنى فيها ، كل على انفراد بغية الحفاظ على خصوصية التجربة الشعرية لكل منهم وكشف رصيدها الفنى والجمالى ، بحيث نوفر قدراً من الحياد والموضوعية التى يقتضيها البحث .









الأحوال الطين في زمن الشياطين (6)



في البداية يصدّر العنوان قدراً كبيراً من المصارحة والمكاشفة بموضوع الديوان ( الغرض الشعري ) ، ويرسم الحدود المميزة لخطاب الشاعر الذي يتوجه إلي أنواع من النقد الاجتماعي والسياسي ، ويمكن ملاحظة أن الديوان لم يقترب ولو قليلا من مفهوم شعر العامية بمعناه الفني الحديث ، بقدر ما انغمس في الزجل ، ومن ثم فإن كل مقومات الزجل الجمالية والموضوعية تلح في الظهور وتأكيد نفسها عبر أساليب وطرائق مختلفة ، سواء في الحرص علي البناء العمودي ( الموزون المقفي ) ، فضلا عن طابع الارتجال والإطلاق الشعري علي البديهة ، وحيث تغيب دواعي التنقيح والتكثيف الشعري وتنزع الجملة إلي المباشرة والتقرير .

ومن ناحية أخري ، يغلب الطابع الانتقادي لصور من المجتمع وسلوكياته ، وهي صور لا تحمل بعدا استراتيجيا ، بل تلهث وراء الوقائع والظواهر لتتناولها بالنقد المباشر وتكشف مسالبها بنسب متفاوتة تعبر عن موقف الشاعر منها . وهو موقف شخصى ونسبى لغياب معنى الذات الجمعية الذى انتجته الحداثة الشعرية.

غير أن مجمل التجربة ، يوقفنا علي الصورة التي يصدرها الشاعر عن الوطن بوصفه مكانا لا فكرة ذات مغزى سياسى أو بعد قيمى أو معني شعوري انفعالي . ومن ثم نجد طابعاً محلياً ، كما نجد قدراً من وضوح الرؤية علي نحو ما تفصح عنه عناوين القصائد الداخلية : " النقد الاجتماعي ـ الزعامة والفساد ـ أنفلونزا الطيور ـ الحملة التموينية ـ أين العدالة ـ حكومة الأزمات ـ الإدارة الهندسية ـ العصابة المخفية ـ فوضى الأسواق ـ البطالة ) .

وهكذا ، فصورة الوطن موزعة بين الأغراض الشعرية المرتبطة بالمناسبات المختلفة ، ونتيجة لهذا النازع المحلي ، وغياب صورة كلية للوطن ، فإن مفردة الوطن لا ترد بنصها ، ويستعيض عنها الشاعر بمفردة البلد ، يقول الشاعر في قصيدة : " اللهم اجعله خيرا " :

يا أهل بلدنا الوضع خطير إيه الأسباب قول يا كبير

معقول يبقي حرامي غفير وإحنا وقعنا في أجوف بير

خير اللهم اجعله خير خير اللهم اجعله خير

ويمكن تصور ( البلد ) مفردة بديلة لمصر ومرادفة لها ، بحيث ينسحب المعني النقدي علي مصر ، وهو المدى الأبعد الذي يحمله خطاب الشاعر ، بحيث لا ينسحب إلي المعني العام للوطن بوصفه فكرة قومية / الوطن العربى ، بما لا يخرج

القصيدة عن طابعها المحلي ، يقول في قصيدة ( البطالة ) التي يمكن أن تكون ظاهرة مصرية لا نجدها في المجتمع الخليجي مثلا :

بقيت في الخشم قوالة عندينا يا خلي بطالة

إيه الأسباب متقولي وبلدنا في أسوأ حالة

وفي قصيدة بعنوان : " الإصلاح والتغيير " التي يمكن ملاحظة أنها استجابة لدعاوى الإصلاح التي علت نبرتها في مصر في الفترة الأخيرة :

لازم نبني الحريات موقف ضد الظلم كسد

بالحرية نبني بلد بالعبودية الخير ينهد

بضمير حي حنبني المجد علشان تنهض أغلي بلد

ويمكن ملاحظة وعي الشاعر بضرورة الحرية كمعني أولي للإصلاح ، كما يمكن ملاحظة وعيه بأن مهمة الإصلاح ليست مجرد تغييرات قانونية أو دستورية بقدر ما تحتاج درجة من الوعي العام لدي الناس ، كما يمكن ملاحظة أن الإصلاح لا يحتاج لأكثر من تعميق عاطفة حب البلد لدى المواطن حتى يعود ـ هذا ـ بالنفع على المواطن نفسه ، فيما لاتبرز ضرورة تغيير النظام أو السياسات التى تتشكل فى أفقها صورة البلد .

وأخيراً علينا ملاحظة غياب طاقة المجاز اللغوى ، ومع غيابها تغيب الصورة الكلية التى تحدد ملامح الوطن ، فالوطن هنا مجرد البلد وعلى نحو مباشر ، فهو ليس معنى ولا رمزا ولا فكرة ولا كيانا كلياً مركباً فى مفاهيمة ، إنه ببساطة البلد .





***



الجميزة (7)



صحيح أن هذا الديوان يقترب بدرجة أكبر من مفهوم الشعر ، بقدر مفارقته لمفهوم الزجل علي نحو ما رأينا في الديوان السابق ، إلا أن مجمل تجربة الشاعر تتسم ببساطة التراكيب وسهولة اللغة وشحوب التكثيف الشعري ، ولعل هذا الاقتراب الشعري ، يمنح القصيدة درجة أعلي من التأويل ، حيث يطلق المعني في فضاء واسع ينأى عن المباشرة والتقريرية بدرجة تتفاوت من قصيدة لأخرى .

فقصيدة ( اخرس العدل ) التي تذكرنا بـ ( أين العدل ) في الديوان السابق ( الأحوال الطين .. ) تتخذ العدل موضوعا شعريا ، ولكنها لا تكرس نفسها تماما لفكرة الغرض الشعري القديمة ، بل هي تتخذ منه منطلقا لفكرة أوسع وأعم وهي فكرة الوطن ، يقول الشاعر :

والسوس بينخر من حواليك

وليد الأم المنهوبة

اضرب بجذورك بطن الأرض

تترج تفوق من الغيبوبة

ولعل هذا الاقتراب الشعري المميز لقصيدة العامية والذي يجعله مفارقا للزجل القديم ، هو المسئول عن هذا النزوع الاستعاري للقصيدة ، وفي المقابل نشعر بطابع المناجاة الشعرية الذي يتجسد في مخاطبة الذات بوصفها ابنا للوطن الأم ( يا وليد الأرض المنهوبة ) .

وفي هذا المعني يتجسد النازع الاستعاري ، الذي ينزع بدوره إلي التشخيص ، بحيث تصبح الأم مرادفا للوطن .

وهذا المستوى الاستعاري يتوسع علي نحو أكبر ويتداخل مع المستوى الرمزي في قصيدة ( الجميزة ) ، وفي هذه القصيدة يظهر النزوع الاحتفالي بالقرية بوصفها مجازا مرسلا يشير إلي الوطن / الأم أو الحبيبة . كما يتحول طابع المونولوج ( المناجاة ) الذي وجدناه في القصيدة السابقة إلي ديالوج ، فيؤكد علي معنى التشخيص الذي نلاحظه في حوار قصير يدور بين الجميزة وابن البلد العائد إليها بعد غياب طويل :

بالحضن يا واد

والله ادورتي وجزعك زاد

كيف حالك .. وأحوال الأولاد

كنت وكانوا

تحت الجميزة في بلدنا

كنا بنلعب كورة شراب

إن طاقة الشعرية تظهر بوضوح في كثافة التعبير ( كنت وكانوا ) وتفتح الأفق الزمني ،حيث تستدعي ذكريات الطفولة ، مغموسة بمشاعر الحنين ( النوستالجيا ) ، وتعمق الرمز الذي تجسده الجميزة كمرادفة للقرية بوصفها نقطة إشارية هامة ، وهكذا تنفتح القصيدة بعد هذه الجملة ( كنت وكانوا ) علي أفق سردي يرصد ممارسات الطفولة ، حيث ملاعب الصبا الأول والوجوه الطيبة فنحن أمام ذات حفية بوطنها / البلد بوصفه مكانا لميلاد الذات ومكونا من أهم مكوناتها ، لهذا لا نجد الطابع الانتقادي ، بل يشيع الطابع الاحتفالي الجزل بصورة الوطن / القرية .

والقصيدة طويلة غير أن الطابع السردي يضمن نظمها في سياق دلالي وجمالي متماسك علي الرغم من الانحرافات الدلالية البسيطة ، التي قاربت المعنى النقدي ، بعد أن تحولت الجميزة إلي ساحة لحلقات القمار وممارسات الفحش وجلسات التحشيش ، غير أن هذا الطابع النقدي لا يخرج القصيدة عن طابعها الاحتفالي بقدر ما تعيش تأثيرات الزمن وتحولاته ، بين زمن القرية الأم ( زمن الطفولة ) والقرية التي أصبحت الآن تجسيدا لمعنى الاغتراب والفقد .



***



قراية تانية للجسد (Cool



يظهر الجسد في أدبيات الحداثة وما بعدها ، علي نحو مشتبك بمعنى الذات ، فالجسد ، وهو نافذة الذات علي العالم ، فعلاقة الإنسان بجسده تنم عن مفهوم ثقافي اجتماعي يختلف من بيئة إلي أخرى ، وكأن الجسد هو الصورة التي تحدد هوية الإنسان ، وهو المكان الصغير / الوطن الذي يربط الإنسان بالمكان الأكبر ، فالجسد الذي يولد في المكان يتشكل به ويحمل علاماته وروائحه وذكرياته ، صبوات شهواته ألأولي ، وآلامه العميقة المؤثرة ، ومن ثم فالجسد جدير بتجسيد معني الوطن إلي جانب تجسيده لمعني الذات .

يقول عبد اللطيف مبارك في قصيدة ( قراية تانية للجسد )

وطن للروح شبيه ليه

وهن بيغادر المسافات

يسافر فيه ويجيني

يوديني

لأقرب حيرة من عيني

ولد ماشي علي مهله

بيندهله

زمن منحوتة أيامه

وليس مصادفة أن تقتفي القصيدة والديوان عموما تجسيدات مختلفة للوطن ، في صور حية موحية ، وإشارات بليغة إلي الجسد كقوله :

وبنت في حالها بتعدي

ف ريق العضم شواكيشها

ضفاير من خيوط الشمس

تحت الجلد ما تحوشها

أنينها بيشرخ الضلعين .. وبتعدي

لأقرب حته من قلبي

فالعضم والشعر والجلد والضلعين والقلب ، كلها مفردات منحوتة من الجسد للتوافق في إشارات بليغة إلي المعنى الأول في مطلع القصيدة ( وطن للروح شبيه ليه ) .

وقريب من هذا التصور الاستعاري المجسد لصورة الوطن نجد الوطن الإنسان في تراكيب تنزع إلي التشخيص ، ويعلن عنوان القصيدة بوضوح عن هذا المعني بصيغة النسب إلي الوطن ، فالقصيدة بعنوان : " مصري " ، يقول الشاعر :

شد الرحيل

من هد حيله وفات

هل كل واحد يا وطن علم

م فوق جبينك خطته وسلم ؟

مجهولة ضحكتنا

منزاحة لقمتنا

لمتنا … عشرتنا

أرواحنا كلمة حق مطوية

م فوق ركاب نيلك

تقعد وأنا أحكيلك
لكن حكاوى القلب
علقمها السكات

وفي الديوان نجد أكثر من صورة للوطن ، ولكنها ـ جميعا ـ تتراوح بين التجسيد والتشخيص ، ومن ثم تضمن لنفسها امتدادا واضحا بوصفها صورة كلية ، بما منح القصيدة وحدة شعورية ودلالية متجانسة .

ومن صورة الوطن إلي جانب الأم ، صورة الوطن المحبوبة ، وهنا يستدعي الشاعر تراث هذه الصورة الشائع ، كما نجده عند شعراء الستينيات مثل الأبنودي ونجيب سرور وغيرهما ، حيث تظهر ( بهية ) كناية عن المحبوبة الوطن المعذب الذي تآمر عليه الأعداء .

ولحسن الحظ أن العلاقة بين الوطن والمواطن تظهر علي هذا النحو من المباشرة في شعر مبارك غير أننا لا يقدم ظهور صورة المواطن المكني عنه بمسميات مختلفة مثل الولد أو الفارس وهي أيضا صور شائعة في ميراث شعر العامية .

أما قصيدة ( آخر دمعة لبهية ) ، التي تشكلت في أفق دلالي يعكس صورة الوطن / المحبوبة ، فهي تستسلم لطابع وصفي ، يكاد يصرح أكثر مما يلمح ، ويكاد يستسلم لخبرة المكتوب في هذه الصورة الشهيرة بين كتاب قصيدة العامية ، ومن ثم تتوحد صورة بهية مع مفردات البيئة الرامزة إلي الوطن بشكل مباشر مستسلم للعلاقات الخارجية المادية

عيونك ضحكة المرمر

لآلي سدرك الساطع

بني فارع

جريد النخل ع الضفة

علي النهر اللي متواعد

حكاوي العشق والقصة

أنا ليكي

كفارس بحملك طية



***





بشائر الميلاد (9)



علي الرغم من عنوان الديوان ( بشائر الميلاد ) فإن الصفحات الأولى منه لا تبشر بميلاد شعرية جديدة ، فنصفه الأول ـ علي الأقل ـ يخضع لفضاء شعري كلاسيكي بناء ومعني ، وربما نتيجة لاعتماده علي الموزون المقفي تفتقد اللهجة كثيراً من وهجها الشعري نتيجة لاجتلاب بعض القوافي ولي عنق المفردات مجاراة للأوزان بما يضعف المعني الشعري ويقلل من الفضاء الدلالي والجمالي للقصيدة علي نحو ما نجد في قوله :

إنت أصفي ضحكاياتي وغصب عني يا حياتي

لازم أخرج من حياتك حتى لو بعدك مماتي

غير إن تجاوزنا للنصف الأول من الديوان يحمل لنا مفاجآت سارة ، ويبشر بمولد شاعر نأمل فيه ، وإن لم يسلم ـ هذا النصف ـ من تجربة شعرية مألوفة ومطروقة ، فلا تعكس خصوصية شاعرها الذي نظن أنه سيجدها في ديوان آخر .

وفي الديوان لا تظهر صورة الوطن علي نحو صريح ، ولا توجد قصائد مفردة مهمومة بالوطن ، بل نجد هذا الهم الوطني متفرقا في قصائد مختلفة ، بحيث لا يظهر الوطن غرضا أو موضوعا شعريا ، فالتجربة الجمالية لشاعرنا تدفعه إلي المعني الوجداني الرومانسي في أغلب الأحيان وهو ما تجسده صورة المحبوبة المترعة بمعاني الوحشة والهجر والشوق .

وهذا المعني قد ينسحب علي مجمل تجربته إلا قليلا ، حيث تظهر طيوف التجربة الواقعية ، ومن المعروف إن صورة الوطن وهمومه وقضاياه بوصفها صورة غيرية مفارقة للذات ، كانت أكثر حضورا أو سطوعا في التجربة الواقعية .

ويمكن ملاحظة طيوف صورة الوطن ببعض التأويل في القصائد التي تخلصت من قدرها الرومانسي ونزعت إلي تجسيد تجارب واقعية علي الرغم من اتسام هذه التجارب بطابع شخصاني يبقي علي حضور الذات ، وعلي نحو ما نجد في قصيدة يهديها إلي ( روح سعدية عبد الحليم … أمي التي لم تلدني )

وفي قصيدة ( برد ) نجد إحساسا سرمديا بالزمن ، تعيش فيه القرية ، ويطبع بصماته علي الوجوه،بروح مفعمة بالحزن والشجن، كما تعكس دواعي الاغتراب :

آه يا بوي م الوحدة أروح فين ؟

وأنا طبعي مأنامش غير وش الصبح

وأصحابي اتنين

مش ( مصطفي وخلف ولا أبو القاسم )

دورت الراديو

وفتحت كتاب

والبرد محسسني بغربة .



***





ولد طيب .. ولد عاصى (10)



تنسحب هذه المقابلة التى نجدها فى العنوان على مجمل قصائدة ، إذ ثمة عاطفتان متخلفتان تتناوبان الذات الشاعرة فى موقفها إزاء الوطن ، ذات طيبة ، عاشقة ، وهو عشق يصل كما لاحظ مقدم الديوان درجة من إفناء الذات فى الوطن حد الوجد الصوفى ، ثم ذات عاصية متمردة ، تستبد بها حالات من الغضب واستدعاء روح الانتقاد الحاد أحياناً ، ولكنه فى أحيان أخرى يرق ويلين ليصل إلى نوع من العتاب ، فنوازع الانتقاد التى تستدعيها قصيدة ( أزرع بلادك سوسنة ) ويوجهها إلى النظام الحاكم بوصفه صورة مرادفة للوطن ، تستبدل لغة النقد الحادة بأخرى أقل حدة :

حكمة نظامك

يشجب .. يدين

من غير رصاصة

ماهى دى الفراسة

ياموحدين

آذان فى مالطة

آذان فى عكا

لاسامعه قدسى

ولاحتى مكة

لكن الحجر

لساه حجر .

فالشاعر ينتقد موقف الحكومات العربية الضعيف تجاه الممارسات الصهيونية فى فلسطين ، فيأتى فى صيغة تهكمية بسيطة فى بنيتها الدلالية ، تخفف كثيراً من حدة النقد . فى حين يصور فى قصيدة أخرى نفس الموقف تقريباً ، غير أن النقد ـ هذه المرة ـ لايوجه إلى موقف الحكومات تجاه العدو فقط ، بل إلى موقفها تجاه شعوبها أيضاً ، فيشير إلى محاولات التدجين المنظم لقوى الشعب ، وهكذا فإن أسباب الانتقاد تزيد درجة ، وتستدعى خطراً حقيقياً ، لأن جريمة الحكومات ليست فقط فى انهيار مقاومتها للعدو ، ولكنها تتعدى ذلك إلى قتل روح المقاومة فى الشعوب أيضاً ، هذا هو موقف أكثر تركيباً من السابق ، وأكثر وعياً بأزمة الذات فى موقفها تجاه الوطن ، ومن ثم تأتى اللغة أكثر انفعالاً وحدة :

الجبان طول عمره خايف

م الإيدين المتعافية

عمره ما يوم ثار لعرضه

جاب عدوى يحمى أرضه

سايبه ينهش لحم أخوه

وهكذا يتأرجح الخطاب الشعرى فى صيغته الانتقادية بين اللين والحدة ، كما يتأرجح بين اليأس والرجاء .

وسنرى ألأن قصيدة ( ولد طيب .. ولد عاصى ) التى تستدعى صورة الوطن المحبوبة ، تجسد هذا الموقف بوضوح ، فتصف حالة صراعية تتأرجح بين اليأس والرجاء ، أو الغضب والحب ، أو الوصل والهجر ، فعلى الرغم من غلظة القسم بالهجرالذى يطالعنا به البيت الأول تتهى القصيدة إلى حالة من التسليم بتمكن عشق المحبوبة / الوطن من قلب فتاها/ الولد،وكأنما هو ( مقدر ومكتوب على جبينه ) .

وإذا كانت هذه القصيدة تستحضر صورة الوطن المحبوبة وفتاها العاشق ، فإن الديوان محتشد بصور عديدة لعشاق هذه البنت الجميلة / الوطن ، حيث تشيع صور متنوعة لعشاق الوطن فى قصائد مثل : " العم صابر ـ فضفضة من قلب فارس ـ غنيوة للولد ـ رامبو والواد شبيطة ) .

وصورة الوطن هنا لاترسم غالباً إلا من خلال صورة المواطن ، وتجسيد درجات العشق له عبر درجات متفاوتة من المكابدات ، لكن وصل الوطن يستحق كل هذه المعاناة ، ومن ثم تمضى القصائد على مستويين ، مستوى يوضح صورة الوطن المحبوبة وآخر يوضح صورة المواطن العاشق الذى عليه أن يتحمل شطط محبوبته بصبر ويتحمل كل مخاطرة من أجلها ، فهذا الولد البسيط ( شبيطة )، يدخل فى مواجهة غير عادلة مع( رامبو ) بما يحمل الاسم من دلالة على القوة الغاشمة التى تشيعها السينما الأمريكية عن المواطن الأمريكى بوصفه شرطى العالم .

وقصيدة ( ولد طيب .. ولد عاصى ) ، تجسد درجة من النضج الفنى نتيجة لوضعها داخل أفق المفارقة بين مكابدات العاشق من أجل وصل المعشوق ، ومن ثم ، يضع الشاعر قصيدته فى أفق مونولوجى يجسد هذه المفارقة ، فلابأس أن العاشق قد تصيبه لحظات من اليأس والغضب والإحساس بالخيبة وانقطاع الرجاء ، ولكنه رغم كل ذلك عليه أن يمضى فى طريق العشق المقدر :

ورب الكون لأنساكى

وأنزع م الحشا قلبى

ورب الكون لأعصاكى

ولا اشكيكى لغير ربى

ولا ارضاكى تكونى لى

وطن تانى

ولا منفى .

وفى سياق التشخيص المؤكد على تجاذب العلاقة بين الوطن والمواطن بين حالات من اليأس والرجاء ، نسمع نبرات العتب لا الغضب ولا التجريح ولا الحدة التى رأيناها فى قصيدته الموجهة إلى الحكومات ، فإزاء الوطن ثمة درجة من الخشوع والقداسة ، تتناوبها حالات من العصيان ولكنها لاتصل أبداً إلى الكفر .

لننظر إلى هذه المصالحة الجميلة ، المغلفة بطابع مقدس يؤكد طبيعة العشق الصوفى المنزه من كل غرض والمتمكن من القلب مهما عانى العاشق وكابد من أجله .

أنا وربى مايكفينى فدا ضفرك

حدود الكون

وألعن كل أجدادك وأجدادى

واعفر بالتراب وشى

ينادينى الآدان أجرى

على نيلك واتوضى

وأسجد وادعى

فى صلاتى

إلهى ترضى يوم عنى

ورب الكون مانيش قادر

وقلبى مش مطاوعنى

أقول لأه

مانيش راجع .



***







أبو العريف (11)



يعود بنا ديوان ( أبو العريف ) إلى صوت الزجال القديم الذى بدأنا به فى هذه الدراسة وقدمنا نموذجا له ( الأحوال الطين … ) . ليس فقط على مستوى البناء الفنى والخواص الجمالية للقصيدة كما يلاحظ القارئ بسهولة ، ولكن ايضاً على مستوي الخواص الموضوعية التى ترتبط بمناسبة القول ، فتضع صورة الوطن وتظهره عبر هذه المناسبات التى تتميز بطابع محلى بسيط وتنزع إلى المباشرة فى التعبير عن صوت الوطن ، فالوطن هنا يشار إليه عادة بالاسم أو بمحددات مكانية وجغرافية وربما تاريخية تحدد صورته ، فهو ( مصر ) على وجه التحديد فى قصيدة ( بلدي البطولة ) ، وهو أكثر تحديداً أو مباشرة فى قصيدة بعنوان ( البحر الأحمر ) ، وهو (سينا ) في قصيدة اغنية ( 25 أبريل) فى مناسبة تحرير سينا .

كما يظهر ارتباط الشعر بالمناسبة على أكثر من مستوى فهذه قصيدة فى مناسبة تكريم أبناء البحر الأحمر من ذوى الحاجات الخاصة فى حفل أقيم ( 12 / 12 / 1994 ) ، وأخري فى مناسبة احتفال المحافظة بعيد الطفولة ( 1993 ) ، وثالثة بمناسبة وقوع سيل جارف بالمحافظة ( 1980 ) ، فضلا عن المناسبات الشخصية والإخوانية فله قصيدة فى مناسبة إجراء جراحة ناجحة له يهديها إلى الجراح وأخرى فى مناسبة حفل زفاف .

وعبر هذه المناسبات المتفرقة تتفرق صورة الوطن عبر مجموعة من المعانى الجزئية ، وتزيد وضوحاً فى القصائد التى تنزع إلى نقد مسالب الواقع وإن ظلت موجهة إلى فئة بعينها أو واقعة أو سلوك ، على نحو ما نجد فى قصيدة ( زميلى .. زميلتى ) التى يوجهها إلى نقد سلوكيات موظفى الحكومة ، وعلينا ملاحظة أن النقد لايوجه إلى النظام الإدارى أو الأداء الحكومى بل إلى الأفراد المعنيين بتنفيذه ، فالحكومة ليست كيانا نظامياً يمكن أن يقوم مرادفاً للوطن كما لاحظنا فى ديوان ( ولد طيب .. ولد عاصى ) .

ولعل غياب صورة الوطن على فى صيغة كلية معنوية تظهر على نحو ما فى قصيد ( إلى ربوع البوسنة ) ، حيث يستخدم نفس المعانى التى يستخدمها فى رسمه لصورة الوطن مصر ،فلا فارق كبير بين ربوع مصر وربوع البوسنة ، بما يعنى أن صورة الوطن تتحدد عنده عبر مقومات عاطفية وليست ثقافية أو فكرية ، فالعاطفة الدافعة وراء قصيدة البوسنة هى العاطفة الدينية ، ومن ثم فمعنى الوطنية ملتبس بالمعنى الدينى ، وقد يلتبس بالمعنى الشخصى فى قصيدة ( البحر الأحمر ) ، ولننظر ـ هنا ـ إلى اختياره لياء النسب حرفاً للروى يشمل مجل القصيدة ، بما يشير إلى شخصنة القضية ، فالوطن ليس كيانا كلياً أو فكرة أو معنى ، بقدر ماهو محددات واقعية ظاهرة مثل الأرض والناس والهواء والبحر والربوع والزرع وغير ذلك من مفردات البيئة المحددة لسمات الوطن الذى نشا فيه وانتمى إليه .

البحر الاحمر يابلادى

ياحبيبة وغالية لفؤادى

يأغلى من كل ولادى

بكنوزك عزة أولادى

ياكريمة لولدى وأحفادى

ياروضة لفرحى وإسعادى

فى البعد احلفلك يامرادى

طيفك دا زادى وزوادى .

ويارب ياقادر وياهادى

تحفظ لى المحبوبة بلادى .

نلاحظ فيما سبق خفوت طاقة المجاز اللغوى وحضور المباشرة التى تجسد مادية العلاقة بين الوطن والمواطن ، فمكانة الوطن فى قلب المواطن ، هى نتيجة لعطاء الوطن نفسه ، فهو وطن كريم محتشد بالكنوز التى تؤمن مستقبل أولاده وأحفاده ، ويختزن له الزاد والفرح والسعادة ، ومن أجل هذا العطاء يصبح الوطن غالياً ويستحق الدعاء بأن يحفظه الله .

نلاحظ فى البيت الأخير :

تظهر كلمة المحبوبة كمجرد صفة ، من غير أن تكون مرادفاً الوطن .

إن حفظ الوطن مهمة موكولة إلى الله ، وكل مهمة المواطن هو الدعاء له .

وهكذا فغياب صورة الوطن السياسية يغيب معها البعد السياسى للمواطن أيضاً .

وهنا نأتى إلى ملاحظة قد لاتسعد كثيراً من كتاب قصيدة نثر العامية ، الذين حملوا على عاتقهم مهمات التجديد الجمالى ، واتخذوا قيماً ومواقف تناسب وعيهم اللحظى بالعالم ، بوصفهم كائنات لانبوية ، ولا تمتلك بعدأ رؤيوياً وكلياً فى نظرتها للوجود ، إن موقف الذات الساردة فى قصيدة نثر العامية أو مانطلق عليه أحيانا قصيدة العامية الجديدة ، هو موقف يعكس تشظى الذات وتماهيها فى ممارسات الحياة اليومية وانهماكها فى العادى والمعاش والنسبى والشخصى ، وهكذا فالقيم الكلية والمعانى الكبرى التى من أبرزها الوطن ، تتفكك إلى معانى جزئية صغيرة ، وتذوب فى التجربة الشخصية الحية والمعاشة ، ومن ثم يظهر الوطن على نحو نسبى ضيق فى القصيدة الجديدة .

وهنا نطرح سؤالاً يستحق المناقشة ، ربما فى مناسبة أخرى

إلى أى مدى يتشابه موقف الذات الشاعرة فى قصيدة النثر مع موقف الشاعر القديم فيما يتعلق بنظرته إلى معنى الوطن ؟





*************















المراجع والمصادر:

1ـ أحمد صادق الجمال : الأدب العامى فى مصر فى العصر المملوكى ـ الدار القومية للطباعة والنشر ـ القاهرة ـ 1966.

2ـ طاهر أبو فاشا ( عرض وتحليل ) : هز القحوف فى شرح قصيدة أبى شادوف ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 1987 .

3ـ أحمد صادق الجمال ـ سابق

4ـ نفسه

5ـ نفسه

6 ـ رمضان طاهر محمد العثماني : الأحوال الطين في زمن الشياطين ـ د.ط.

7ـ عبيد طربوش : الجميزة ـ د. ط .

8 ـ عبد اللطيف مبارك : قراية تانية للجسد ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ، إقليم وسط وجنوب الصعيد ـ الغردقة ـ د. ت.

9ـ علي عبد الرحمن أبو سراج : بشائر الميلاد ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ، إقليم وسط وجنوب الصعيد ـ الغردقة ـ د. ت.

10ـ سعيد صابر : ولد طيب .. ولد عاصى ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ، إقليم وسط وجنوب الصعيد ـ الغردقة ـ د. ت

11ـ محمد يوسف محمد حسن : أبو العريف ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ، إقليم وسط وحنوب الصعيد ـ الغردقة ـ 2002 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صورة الوطن وتجلياتها كتبها: سيد الوكيل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حب الوطن
» الوطن ........
» خلصت ضميرى.. ديوان عامية من هموم الوطن
» صورة تانية للهوا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات شعر العامية المصرى :: النقد والدراسات لشعرالعامية المصرية :: النقد والدراسات لشعر العامية المصرية-
انتقل الى: